
جزيرة جربة جنة طبيعية ام كارثة بيئية مرتقبة
- Habib ouja
- 2 يونيو
- 2 دقيقة قراءة
جربة، بجمالها الطبيعي وتراثها الثقافي، تواجه اليوم تهديدات بيئية متزايدة بسبب النشاط البشري غير المنظم، الذي لا يقتصر على التوسع العمراني العشوائي، بل يمتد إلى التلوث البحري، تدهور النظم البيئية، واستنزاف الموارد الطبيعية، مع تغيرات ملحوظة في رأس الرمل، أحد أبرز المعالم الساحلية للجزيرة. هذه التحديات تتجلى بشكل واضح في التلوث البحري، حيث تتراكم النفايات البلاستيكية في المياه، مما يضر بالتنوع البيولوجي البحري، ما دفع مبادرات مثل "جربة دون بلاستيك" إلى إطلاق حملات للحد من استخدام البلاستيك وتقليل تأثيره السلبي على البيئة.
أدى الضغط السكاني المتزايد إلى توسع عمراني غير منظم أثر سلبا على المناطق الطبيعية للجزيرة، فيما ساهم غياب التخطيط البيئي المستدام في تدمير الأراضي الرطبة وزيادة التصحر، الأمر الذي يفاقم مشكلة تآكل السواحل. في هذا الصدد، يحذر الدكتور عبد الحميد بن غازي المتخصص في الجيومورفولوجيا، في مقال علمي نشره في "القارات الخمسة:المجلة الرومانية للجغرافيا "، من عمليات الردم وتوسيع المنشآت السياحية التي تخل بالتوازن البيئي، ما يسرّع انحسار الشواطئ الرملية المنخفضة مقابل امتداد ألسنة رملية في اتجاه برج القسطيل ورأس الرمل، وهي تغييرات تهدد بالتحام الجزيرة بالقارة وفقدان جربة لطابعها الجزيري ، كما تضر بالتنوع البيولوجي البحري. كما يشير زميله في نفس التخصص الدكتور منجي بورقو إلى أن رأس الرمل الذي هو عبارة عن كتلة رملية متغيرة بفعل الرياح والتيارات البحرية، عرضة للاندثار بسبب التدخلات البشرية غير المدروسة مثل البناء العشوائي، وهو أمر يعزز الحاجة إلى اتخاذ تدابير لحماية هذا الموقع الطبيعي الهام.
على مستوى النفايات، أدى غياب المصبات المنظمة إلى تفاقم الأزمة البيئية في الجزيرة، ما دفع نشطاء المجتمع المدني إلى التحذير من الوضع، في حين باتت السلطات المحلية تقرّ بضرورة إيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلة المتزايدة. لم يكن تأثير النشاط البشري مقتصرا على الشواطئ والمياه، بل طال أيضا الحياة البرية، حيث كانت جربة ملاذا لأنواع مهددة بالانقراض مثل السلاحف البحرية الخضراء، التي يهددها التلوث البلاستيكي إذ تبتلع الأكياس البلاستيكية معتقدة أنها قناديل البحر. كما تعتمد الطيور المهاجرة، مثل النحام الوردي، على الأراضي الرطبة في رأس الرمل خلال رحلاتها الطويلة، لكن التوسع العمراني والتلوث يعيقان تكاثرها ووجودها في المنطقة، وهو ما تعمل جمعية "جيليج البيئية بجربة" على مراقبته والتنبيه إلى مخاطره، ساعية لإيجاد حلول لهذه المشكلات.
لمواجهة هذه التحديات، تبدو الحاجة أكيدة إلى إجراء دراسات جيومورفولوجية دورية لفهم ديناميكيات رأس الرمل واتخاذ تدابير وقائية، إلى جانب فرض قيود على الأنشطة السياحية التي تؤثر سلبا على استقرار الشواطئ، وتعزيز حملات التوعية حول أهمية الحفاظ على النظم البيئية الساحلية. كذلك، يمكن إشراك المجتمع المحلي في جهود الحماية من خلال مشاريع بيئية مستدامة، ودعم المبادرات المحلية التي تهدف إلى إعادة تدوير النفايات وتقليل استخدامها، وتشجيع السياحة البيئية التي تحترم الموارد الطبيعية. ومن التدابير الضرورية أيضا حماية مواقع تعشيش السلاحف البحرية عبر تقليل الإضاءة الليلية والحد من التخييم العشوائي، وإنشاء محميات طبيعية للطيور المهاجرة لضمان استمرارية وجودها في الجزيرة.
التحديات البيئية التي تواجه جربة، المدعومة بشهادات علمية، تؤكد الحاجة الملحة إلى تدخلات مدروسة لحماية الجزيرة وشواطئها من التدهور المستمر، وضمان مستقبل بيئي مستدام للأجيال القادمة.
Comments