top of page

أبواب جربة: ذاكرة الزمن المنقوشة في الخشب


ذلك الباب ليس مجرد قطعة خشب عادية تتوسط مدخل منزل في جربة، بل هو شاهد على عقود طويلة من الحياة التي مرت من أمامه وتركت أثرها على سطحه. اللون الأزرق الذي كان يوما زاهيا بهت بفعل الشمس والرياح، والخشب الذي ظل صامدا رغم تقلبات الزمن بدأ في التشقق، وكأن خطوطه العريضة تحكي تاريخا خفيا.

الحلقة المعدنية التي كانت تُستخدم للطرق على الباب لا تزال تحتفظ بلمعانها المتآكل، كأنها تحمل أصوات أيد امتدت إليها عبر سنوات طويلة. وفي مكان المفتاح، ثقب صغير فقد وظيفته بعد أن تغيرت العادات وتلاشت المفاتيح الخشبية والحديدية التي كانت يوما ضرورية لإغلاق الأبواب.

في جربة، الأبواب الخشبية ليست مجرد مدخل إلى المنازل، بل هي جزء حي من النسيج الثقافي للجزيرة. هي انعكاس لإبداع الحرفيين الذين صاغوها بعناية، تاركين فيها بصمات تتجاوز حدود الجمال إلى عمق التراث. إنها أبواب تحمل عبق الزمن المنسي، وتشهد على الأيام التي كانت فيها الحياة أكثر بساطة وأكثر دفئا.

مثل هذا الباب، بكل تفاصيله، يستحق أن يُوثّق، لا كعنصر معماري فحسب، بل كصفحة مفتوحة من تاريخ الجزيرة، تحفظ للأجيال القادمة صورة حية عن حياةٍ مضت لكنها لم تختفِ تماما، بل بقيت محفورة في أخشاب الأبواب وفي الشقوق التي لم تنل منها السنوات.

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page