top of page

المعمورة

تشكل المعمورة أحد أبرز معالم التراث الشعبي والديني في جزيرة جربة وهي مثال حيّ للتداخل بين المعتقدات الروحية والعمارة المحلية. 

تُعرف المعمورة بأنها بناء صغير، غالبا ما يكون أسطواني الشكل ومفتوحا من الجهة المعاكسة للقبلة، وتُنسب عادة إلى أحد الأولياء الصالحين الذين يُعتقد أن لهم بركات خاصة في مجالات مثل الشفاء، جلب الرزق، أو دفع البلاء. كانت هذه المعمورات تُستخدم كمزارات شعبية، حيث يتوجه إليها الناس، خاصة النساء، لإشعال الشموع، وسكب الزيت، وربط الخيوط، وكتابة التعاويذ على الجدران، طلبا للبركة أو الشفاء أو تحقيق أمنية.

تنتشر المعمورات في مختلف "الحوم" بجربة، وتشكل جزء أساسيا من النسيج الاجتماعي والديني للجزيرة. ويُقدّر عددها بأكثر من 1660 معمورة، حسب ما اورده الكاتب يوسف الشاهد في كتابه "أساطير المساجد والمعمورات في جربة"الذي وثّق هذه الظاهرة  من خلال سرد الأساطير والتقاليد المرتبطة بها، مبرزا دورها في الذاكرة الجماعية لسكان الجزيرة.

ولم تشفع للمعمورة أهميتها الثقافية وحتى حرمتها المعنوية ، فهي تواجه اليوم تهديدات متعددة، من بينها الهدم الجزئي أو الكلي، إضافة إلى انتهاكات تتمثل في عمليات حفر غير قانونية بحثا عن كنوز يُعتقد أنها مدفونة في بعض هذه المواقع، خاصة في منطقة "بازيم" بمعتمدية حومة السوق. هذه الممارسات، التي يغذيها الخيال الشعبي والأساطير المتداولة، تهدد بفقدان جزء مهم من التراث المادي واللامادي للجزيرة.

ورغم تراجع بعض الطقوس المرتبطة بهذه المعمورات، إلا أن بعضها لا يزال يُزار حتى اليوم، مما يدل على استمرار حضورها الرمزي في الوعي الجمعي. إن المعمورات ليست مجرد أبنية، بل هي شواهد على علاقة الإنسان الجربي بأرضه، وبالمقدّس، وبالأسطورة، وهي بذلك تمثل مادة غنية يمكن توظيفها في مشاريع ثقافية وتربوية معاصرة وخاصة من خلال التوثيق.

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page