top of page

الوزف: كنز البحر المنسي بين التراث والغذاء

الوزف هو اسم يُطلق في تونس على مجموعة من الأسماك الصغيرة المجففة، التي يتم صيدها في مواسم محددة وتُعرض لأشعة الشمس لتُحفظ وتُستهلك لاحقا. فرغم بساطته الظاهرة، يُخفي هذا المكوّن الشعبي في طياته تاريخا حافلا ونكهة متجذّرة، ووظائف متعددة داخل النسيج الاجتماعي والغذائي المحلي.


يُشتق الاسم من الفعل العربي "وَزَفَ"، الذي يدل على الحركة والخفة، في إشارة إلى نشاط هذه الأسماك في المياه. ويتم اصطياده خصوصا في خليج قابس خلال شهري جويلية وأوت، ويشمل أكثر من 20 نوعا من الأسماك الصغيرة التي تُعدّ من موارد البحر الموسمية.


ومن بين أشهر هذه الأنواع، يتقدم وزف تاقرماس من جزيرة جربة كرمز للجودة والمهارة التقليدية. فطريقة تجفيفه تحت شمس جربة، وفق تقاليد متوارثة، تمنحه نكهة مركّزة وتماسكا يحتفظ خصائصه أثناء الطهي. لكنه لا يُختزل في خصائصه الحسية وحدها، بل يختزن في مذاقه قصة عائلات، وحرفيين، وطقس سنوي تتجدد فيه العلاقة بين الإنسان والبحر.


وهذا التميز يعكسه الإقبال الكبير عليه، خاصة في الجنوب الشرقي، حيث يُنظر إلى وزف تاقرماس كمرجع في الجودة، وكتعبير عن صلة وثيقة بين الطعام والهوية والمكان.


تتم عملية التجفيف تقليديا في الهواء الطلق بعد تنظيفه، وقد يُملّح لضمان حفظه. ويُخزّن لاحقا في أوعية تتيح التهوية وتمنع الرطوبة، مثل الأكياس المصنوعة من القش أو البلاستيك.


ولأن الوزف غذاء نشأ من الحاجة والبساطة، فقد ارتبط بالطبقات الشعبية كما كان يُهدى للمغتربين، حاملا معه عبق الوطن.

فالوزف، في نهاية المطاف، ليس مجرد منتج غذائي، بل هو اختزال لذاكرة جماعية، وتجسيد لتوازن بيئي، وتعبير عن اقتصاد محلي قائم على احترام المورد الطبيعي. وفي قلب هذا المشهد، يلمع وزف تاقرماس كتجربة حية تبرهن أن الجودة الحقيقية تُصنع من حبّ للمهنة، وإتقان بسيط، ووفاء للأرض.


Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page