تقنيات الصيد التقليدي في جزيرة جربة
- Habib ouja
- 28 أبريل
- 2 دقيقة قراءة
.
كان البحر منذ القديم عاملا مؤثرا في حياة اهل جربة والصيد فيه كان احد أربعة انشطة شغلت حياة رجالها الى جانب الفلاحة والتجارة والحوكة. برع اهل الجزيرة في نشاط الصيد بما ابتكروه من طرق ووسائل تحولت بمرور الزمن الى عناصر مهمة في التراث الجربي وربما اشتركت في بعضه مع جهات ذات علاقة مثل قرقنة. مارس الصيادون الجرابة كل انواع الصيد البحري واهمها الصنار والشبكة والزربة. في فن الصيد بالصنار ابتكروا تقنية البْرَنْقَالٍي وهو عبارة عن خيط طويل تتدلى على امتداده خيوط رفيعة تنتهي بالشصوص وعلى طرفيه خفافين ليطفو يمد على مئات الامتار بطريقة طولية فيرمى اوله في البحر لتعلق فيه الاسماك في الوقت الذي يحمل القارب طرفه الاخر ثم ليرفع عند الرجعة فيجمع سمكا "فْرِشْك" من وراطة وقاروس. وعند الانتهاء من الصيد يلف خيط البرنقالي بعناية في وعاء مستدير ومقعر محشو بالخفاف الذي ترشق فيه الشصوص ويسمى الوعاء "الكَانِسْتْرُو" التقنية الثانية هي الشباك بكافة انواعها التي تتجاوز العشرة انواع منها المُبَطِّن وبُورُوحِين والمَطْلُوقَة والدَّمَّاسَة والشَّنْشُولْ والكَلَّابِيَّة وهي تختلف حسب اتساع عيونها وطريقة نصبها في البحر ومدة ابقاءها فيه مما يؤثر على نوع السمك. اما التقنية الثالثة فهي الزَّرْبَة وجمعها زْرَايِبْ التي لا توجد مثيلتها سوى في قرقنة والشابة ووسيلة الصيد فيها هي الدْرِينَة. تتمثل الزربة في هيكل من الجريد واعواده الصلبة، تغرس في البحر القصير على مساحة هامة لترسم مجالا محصورا يمثل فخا او متاهة يصعب على السمك تجنب الدخول اليها باعتبار مهارة بانيها في توظيف المجاري المائية (الكُرِّينْتِي) لجلب الاسماك في مسار مستقيم مبني بواسطة تسطير الجريد على استقامة تسمى الرجل فيدخل الى مساحة مائية مسيجة تسمى "المناخر" ثم "العشوشة" عبر منفذين صغيرين لا يسمح الواحد منهما بمرور سوى سمكة واحدة لتقاد الاسماك الداخلة في اتجاه واحدة من الدراين ويمكن ان تضم الزربة الى حدود ثلاثة عشايش. تبنى الزرايب في بداية الخريف ثم تخضّر (ترقّع) في الربيع فيغير الجريد المكسور بأخر أخضر. تصنع الدرينة التقليدية يدويا وبالكامل من المواد الطبيعية وهي تستعمل كما سبق القول في الزربة او مستقلة عنها لاصطياد أنواع مختلفة من الأسماك التي تعيش في الأعشاب البحرية في القْصِير (المياه الضحلة) وهي مستديرة الشكل تشبه القمع تصنع من اعواد عرجون النخلة الصفراء التي تمتاز بمرونتها وطبيعتها المشابهة لنباتات البحر وتصطاد كميات صغيرة من الأسماك لا تتجاوز عادة الكيلوغرامين. تغمر الدرينة الجديدة في ماء البحر ليسهل غطسها بعد ذلك ثم توضع في الأعشاب البحرية الضحلة وعند امتلاءها بالسمك تجمع باستخدام عمود مجهز بخطاف. الى جانب ذلك اشتهر بحارة جربة باستعمال شقف فخاري صغير يصنع في كْوِشْ قلالة لمهمة صيد القرنيط فتلقى الفخارات في الماء لتلجأ اليها الرخويات واحيانا حتى الاسماك فتمثل صيدا سهلا عند رفعها. تقنيات بسيطة في ظاهرها ولكنها معقدة في تصميمها وتوظيفها تظهر فهم الاسلاف لوسطهم وقدرتهم العجيبة على استثمار ثرواته دون اضرار بالبيئة البحرية. هذا ما كان عليه الامر سابقا يستدرك الرايس نور الدين واليوم تغير الوضع فالدراين المعدنية غزت البحر والمحركات عوضت المجداف والشراع وقلت الامانة فليس من المستغرب ان يعود صاحب الزربة يوميا خالي الوفاض لان دراينه تنتهك في غفلة منه فتفرغ مما يعلق بها او تنصب الشباك على اطراف الزربة لتقتنص السمك المندفع اليه كذلك حل الجشع محل القناعة فتحول الصيد الى تزاحم غير نزيه يفرض فيه المستثمرون والوكلاء المستكرشون على الصياد البسيط التسليم اما بترك المهنة او بالرضوخ لابتزازهم. البحر متقلب والبشر اكثر تقلبا وغدرا هذه حقيقة اجمع عليها الرياس نور الدين الحاج حسن وجمال دحمان والهادي بالحاج يوسف.
Comments