
حماية تراث جربة مسؤولية محلية
- Habib ouja
- 28 مايو
- 2 دقيقة قراءة
تراث جربة ليس مجرد قائمة من المواقع والمعالم الأثرية، بل هو ذاكرة حيّة تسري في تفاصيل معمارها التقليدي، وتظهر في حكايات الأسواق القديمة والممارسات الثقافية التي تميز الجزيرة عن غيرها. رغم أن إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2023 قد يحمل دلالة رمزية تعزز الوعي بمكانتها، إلا أنه ليس الضمان الوحيد لحماية إرثها. الحفاظ على هذا التراث ينبغي أن يكون نابعا من إرادة المجتمع المحلي، حيث تشكل المبادرات المجتمعية والوعي المشترك أفضل أدوات صونه.
وكما هو الحال في العديد من المناطق ذات التاريخ العريق، تواجه جربة تحديات متعددة تهدد استمرار معالمها التراثية، تبدأ من النمو العمراني العشوائي الذي يطمس الهوية المعمارية الأصيلة، وصولا إلى التغيرات البيئية التي تهدد بعض المباني الأثرية، إضافة إلى الإهمال ونقص الصيانة الذي يسرّع تدهور المواقع القديمة. هذه العوامل، إلى جانب ضعف التوعية المدرسية وغياب البرامج التعليمية التي تربط الشباب بإرثهم الثقافي، تؤدي إلى فقدان الأجيال الجديدة ارتباطها بالهوية التراثية، ما يستدعي حلولا عملية تضمن استمراريتها.
في هذا السياق، لا ينبغي أن يكون الاعتراف الدولي وحده المعيار الرئيسي لضمان حماية التراث، بل يجب العمل على تطبيق حلول محلية مستدامة، لعل أبرزها التوثيق الرقمي الذي يتيح الحفاظ على الهوية المعمارية والثقافية من خلال التصوير الفوتوغرافي عالي الجودة، الرسومات التوضيحية، والتوثيق السردي لشهادات السكان، مما يخلق سجلا رقميا يمكن العودة إليه عند الحاجة. تعزيز هذا الجهد عبر منصات مجتمعية رقمية والتعاون مع المؤسسات الأكاديمية، بالإضافة إلى استخدام تطبيقات متاحة مجانا لإنشاء أرشيف رقمي، يساعد في حفظ تاريخ الجزيرة بطريقة حديثة وقابلة للتطوير.
وبالتوازي مع ذلك، فإن إشراك المجتمع المحلي في جهود الحفاظ على التراث يعد أمرا محوريا، حيث يمكن تنظيم حملات توعية وورش عمل تعزز ارتباط السكان بهويتهم التراثية، فهم الأقدر على الدفاع عن أصالة المكان.
كذلك، فإن إعادة الاستخدام الإبداعي للمباني القديمة يحوّل المساحات غير المستغلة إلى مراكز ثقافية، معارض فنية أو فضاءات للحرف التقليدية، مما يجعلها جزء من الحياة اليومية ويحفظ قيمتها التاريخية. ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ يمكن تطوير السياحة المستدامة عبر تصميم جولات ثقافية تعتمد على السرد التفاعلي، مما يمنح الزوار تجربة تعمق فهمهم لتاريخ المنطقة بدلا من مجرد مشاهدتها بشكل عابر.
الترابط بين الأجيال والتراث يستدعي أيضا إدماجه في مناهج التعليم والتكوين المهني، بحيث يصبح جزء من الهوية الدراسية للأطفال، مما يعزز ارتباطهم به عبر مشاريع عملية وزيارات ميدانية تكشف لهم أهمية إرثهم الثقافي.
أما دعم الصناعات اليدوية والحرف التقليدية، فهو ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل وسيلة للحفاظ على عنصر أصيل من الثقافة الجربية، سواء من خلال تخصيص مساحات لها في الأسواق المحلية، أو تمكين الحرفيين من الوصول إلى الأسواق العالمية.
في النهاية، ورغم أن التصنيفات الدولية قد تكون محفزة، إلا أنها ليست الحل النهائي.
المحافظة على التراث الجربي تتطلب جهودا يومية تعتمد على وعي المجتمع ومبادراته ، حيث يكون تفعيل مشاريع الحماية وتعزيز الإدراك بأهمية الإرث الثقافي من مسؤولية الجميع. بهذه الطريقة، ستبقى جربة حية بهويتها وذاكرتها، لا مجرد اسم مدرج ضمن قائمة .
متابعة ممتعة لاصدقائي