top of page

حين تنسج الأيدي الذاكرة:حكاية النسيزة في جربة

تاريخ التحديث: 19 يونيو

في قلب جزيرة جربة، هناك إرثٌ ينسجه الزمن وتغزله الأيدي الماهرة جيلا بعد جيل. لم تكن "النسيزة" (حرفة النسيج باللهجة الجربية)مجرد حرفة تكسب منها العائلات قوت يومها، بل كانت نبض الحياة في الحوم والدكاكين، وجزء من نسيج الهوية الجربية الذي يأبى الاندثار. الرجال كانوا يتنقلون بين الحقول وأدوات النسيج، يزرعون الأرض حين تسمح المواسم، وحين تهدأ الزراعة، يجدون في دكاكين النسيج موطنا جديدا للإنتاج والإبداع.


حانوت النسيزة تنبض بالحياة

لم تكن ورش النساجة مجرد أماكن للعمل، بل كانت ملتقى يوميًّا يجمع الحرفيين والسكان في أحاديث لا تنتهي، يتبادلون الأخبار، ويحيكون نسيجا آخر من الذكريات. بعضها كانت إرثا عائليا، تنتقل ملكيتها من الجد إلى الحفيد، وأخرى كانت مرتبطة بالوقف، تساهم في دعم المساجد والمدارس الدينية، في مزيج فريد بين الحرفة والعبادة والتكافل الاجتماعي.


حانوت نسيزة
حانوت نسيزة

حوانيت النسيزة: تحف معمارية على حافة النسيان

عندما تدخل إحدى ورش "النسيزة"، ستشعر أنك داخل عالم صُمم بعناية فائقة، من السطح الهرمي إلى النوافذ الضيقة التي تسمح بدخول الضوء دون أن تتسلل حرارة الصيف أو برد الشتاء. هذه الورش لم تُبْنَ بعشوائية، بل كانت انعكاسا لذكاء الحرفيين الجربيين، الذين فهموا كيف يحولون الفضاء إلى بيئة مثالية للعمل. ولكن اليوم، هذه الورش تواجه خطر الاندثار، مع تغير أنماط الحياة وتراجع اهتمام الأجيال الجديدة بهذه الحرفة.


هل يمكن إنقاذ هذا التراث؟

إن الحفاظ على هذه الحرفة لا يعني فقط إنقاذ بعض الأبنية القديمة، بل هو حماية لروح جربة، لتاريخها الذي كتبته الأيدي الحرفية عبر العصور. إن توثيق تاريخ هذه الورش وإدماجها ضمن مشاريع ثقافية وسياحية يمكن أن يمنحها حياة جديدة، ويجعلها جزء من مسيرة الجزيرة نحو المستقبل. لا يكفي أن نروي قصص الماضي، بل علينا أن نجد طرقا لإبقائها حية، كي تبقى "الحوكة" جزء من وجدان جربة، لا مجرد ذكرى تتلاشى مع الزمن.



Commentaires

Noté 0 étoile sur 5.
Pas encore de note

Ajouter une note
bottom of page