عيد الأضحى في جربة: طقوس متوارثة بروح الجماعة
- Habib ouja
- 7 يونيو
- 2 دقيقة قراءة
يُعد عيد الأضحى في جزيرة جربة أكثر من مجرد مناسبة دينية، فهو احتفال اجتماعي وثقافي يعكس روح الجماعة والتقاليد العريقة التي توارثها الأهالي عبر الأجيال. ورغم تشابه الطقوس مع بقية مناطق الجنوب التونسي، إلا أن للعيد في جربة خصوصيات تميزه، بدء من الاستعدادات وحتى طرق تناول اللحم، في مشهد يجمع بين الأصالة والتعايش والتكافل الاجتماعي.
في اليوم السابق للعيد، الذي يُعرف محليا بـ "العُرْفَه" (بألف ولام التعريف وبرفع العين وسكون الراء)، تشهد حومة السوق، عاصمة الجزيرة، حركة غير اعتيادية، حيث يتوافد الأهالي لإتمام شراء مستلزمات العيد من أوان وتوابل ومشروبات. اللافت أن هذه العادة لا تقتصر على المسلمين فقط، بل يشارك فيها اليهود أيضا، الذين ينخرطون في أجواء التسوق يوم العُرْفَه.
يوم العيد وفي وقت مبكر يتوجه الأهالي إلى المساجد لأداء صلاة العيد، حيث يحرصون على اختيار المسجد الأقرب لضمان لقاء جميع الأقارب وتبادل التهاني. بعد الصلاة، يعود الرجال إلى منازلهم لتهنئة أهلهم ثم الإفطار، إذ يتبع الكثيرون سنة صيام صباح الأضحى حتى وقت التضحية، في تقليد يعكس الالتزام بالسنة النبوية.
بعد الإفطار، تبدأ طقوس الذبح، حيث يتولى الرجال عملية الذبح والسلخ وتعليق الذبيحة، بينما تتكفل النساء بغسل الدوّارة، وهي عادة متوارثة تعكس تقسيم الأدوار داخل العائلة. تُعلق الذبيحة حتى يجف لحمها ويصمل، مما يسهل تقطيعه لاحقًا. وأحيانًا تُترك معلقة حتى صباح اليوم التالي، حيث توضع على نصب مرتفع وتحتها تراب، وتُشعل شمعة قربها لطرد الذباب، في تقليد يهدف إلى الحفاظ على جودة اللحم.
منذ الصباح الباكر، تجتمع العائلة حول الأضحية، ويشارك الجميع، كبارا وصغارا، في عملية التقطيع التي يصحبها شواء اللحم، في جو مرح يعزز روح الجماعة والمشاركة. يتم تصنيف اللحم حسب استخدامه: الأجود يُخصص للقلاية(أكلة تقليدية تُطهى في الزيت مع التوابل). البعض يُخصص للقديد (اللحم المجفف) جزء يُخصص للشواء حيث يتولى أحد أفراد العائلة مهمة الشواء وآخر يُتم تبادله بين العائلات في شكل هدية كعادة تعكس روح التكافل الاجتماعي.
ولا يبدأ التفصيل إلا بعد فصل الكتف الأيمن للتصدق به، في تقليد ديني يعكس قيم العطاء والمشاركة.
يُعد القديد من أبرز مظاهر عيد الأضحى في جربة، حيث يُخلط اللحم بالملح ويُعلق مباشرة على حبال وسط الحوش، ليجف تدريجيا ويُستهلك لاحقا. تختلف طرق تناوله بين الأهالي، فالبعض يفضله نيئا ، بينما يفضله آخرون مقليا في الزيت، حيث يُقسم إلى قطع صغيرة تُقلى في الزيت الساخن، ويُطلق عليه إدام أو مسلي، وهو طبق تقليدي يحمل نكهة العيد حتى بعد انتهائه.
لا يقتصر عيد الأضحى في جربة على الطقوس الدينية، بل هو مناسبة اجتماعية تعزز الروابط العائلية، حيث يعود المغتربون بأعداد كبيرة إلى الجزيرة لقضاء العيد بين أهلهم، مما يجعل هذه المناسبة فرصة لإعادة إحياء الذكريات ولمّ الشمل. كما أن العادات المتوارثة، من التسوق يوم العُرْفَه إلى طرق إعداد اللحم، تعكس هوية الجزيرة وتراثها العريق، في مشهد يجمع بين الأصالة والاحتفاء بالحياة.
عيد الأضحى في جربة ليس مجرد يوم احتفالي، بل هو تجربة متكاملة تعكس روح الجماعة، وتُعيد إحياء القيم الاجتماعية والدينية في أجواء من الفرح والتآزر، حيث يمتزج الماضي بالحاضر، وتظل التقاليد حية في وجدان الأهالي، جيلا بعد جيل.
Comments